أحمد العرفج
الحياة تحمل في طياتها الخير والشر، الليل والنهار، السماوات والأرض، الشمس والقمر، الصباح والمساء، وهذه الاختلافات آيات لأولي النهى.
وفي عَالَم الكِتَابة، هناك الجمال وهناك الرداءة، ولا يُظنُّ القارئ الكريم أن الرسالة للجمال دون غيره، بل إن القبح والسخافة والرداءة؛ تحمل رسالة قد تكون في بعض دلائلها؛ أعنف من رسالة الجمال وأقوى.
لا محالة من أن تكون إما صالحاً أو فاسداً، وإن كانت النفس البشرية؛ أقرب إلى الفساد والفجور، بدليل أن المولى -جل وعز- قدَّم الفجور على التقوى، حين قال تبارك وتعالى: (ونفسٍ وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها).
اقرأ أيضا: فوزيه الحربي: خِتاماً جنادرية
وللقُبح والرداءة، رسالة، تُوضح الجمال وتُبرزه، وتُعْلِي من شأنه، فلولا الشر، ما عرف أهل الصلاح طريق الخير.
والدليل على ذلك منهج الصحابي الجليل -حذيفة بن اليمان- الذي كان مختلفاً عن بقية الصحابة، حيث يصف هذا المنهاج بقوله: (كان الصحابة يسألون عن الخير، وكنتُ أسأل عن الشر، مخافة أن أقع فيه).
وقد شرح الفيلسوف الكبير “نيتشه” عَالَم الكِتَابة، مُؤكِّداً على أهمية وجود الكاتب الردئ، لأنه يحمل رسالة.. إذ يقول:
(لا بد من وجود كاتب رديء باستمرار، وذلك لأنه يُشيع ذوق الأجيال الشابة؛ التي لم تتطوّر بعد، ولهذه الأجيال حاجات كالآخرين، ولو كانت الحياة الإنسانية أطول، لكان عدد الفاشلين يفوق أو يُعادل عدد الناجحين، لكن الناس يموتون شباباً، أي أن هناك دوماً العديد من العقول المتخلِّفة، ذات الذوق الرديء، هذه العقول تُطالب -وبكل عنف- بإرضاء وإشباع حاجاتها، وتتسبَّب بوجود كُتَّاب مُخصَّصين لها).
في النهاية أقول: هذا “نيتشه”، وهذه فكرته، إنه لم يستبعد المُتخلِّفين، بل أكد على أهمية أذواقهم، ووجوب مراعاتهم، إذ هم فئة؛ لا تنفصل عن شرائح المجتمع المتنوّعة.. إنَّه -تماماً- يُذكِّرنا؛ بحاجة كل فصل دراسي إلى طالب غبي، يسأل أسئلة غبية، حتى تنطبق عليه نظرية الحياة القائلة: (والضد يظهر حسنه الضد).