أحمد العرفج – عين اليوم
منذ أن عرف العربي نفسه، ووعى تاريخه، أخذ يُصنّف النّاس؛ لونًا ودينًا ومذهبًا، وعرقًا وقبيلةً ومنطقةً.. إلخ.
ولعلّ العالم العربي أكثر أماكن العالم تعاملاً مع “التصنيف”، وأقصد به المعنى الواسع للكلمة، بحيث تشمل الأصناف المذكورة أعلاه.
ورغم تعدّد التصنيفات، وتفاوت الطبقات في العالم العربي، لا زال العربي لا يرى شيئًا منها، إنه مثل الجمل الأحدب الذي لا يرى اعوجاج ظهره، إنه مشغول برمي هذه الصفة على أمريكا، وجنوب إفريقيا، ودول العالم البعيدة، ظانًّا برميه هذا أنه ستر مشكلته الداخلية المتورّمة تصنيفًا وتقسيمًا وتشريحًا وتجزيئًا.
ومثل هذه التصنيفات يمارسها الأفراد، ولا علاقة لها بأنظمة قائمة، أو قوى غاشمة، إنها تصرّف فردي بلباقة كاملة. فالعربي ينتقص العربي المختلف عنه منطقةً ولهجة، ولونًا ومرتبة وقبيلة، ثمّ تتسع الدائرة، ليحتقر العربي غير العربي، فهو -أي غير العربي- في نظر العربي؛ ليس أكثر من فرد انحدر من سلالة “العلوج”، في حين أن العربي أصيل كريم. ألم تقل إحدى فتيات الشاعر العراقي بدر شاكر السيّاب:
عَربيّةٌ أنا، أُمّتي دَمُها
خيرُ الدِّماءِ، كَمَا يَقولُ أبِي
وإذا فرغ العربي من تحطيم وتحقير العربي الآخر، المختلف عنه مذهبًا ولونًا وجهة وسلالة، اتّجه إلى الغرب ليُردّد في شتمه جُملاً حفظها سالقي الكتب المجانية، التي توضع في غرف الانتظار وأماكن الحلاقة.
إقرأ أيضا: عبد الله فلاته: استثمار الدعم الملكي
إنّه يردّد جُملاً تكاد تكون محفوظة عن ظهر قلب، وهي عبارات لا تتجاوز أن تكون مفردات، ليس وراءها إلا تعب الحنجرة، عبارات مثل: (هذا الغرب الذي يتشدّق بالحرية)، و(إنّ الغرب يعاني من انهيار أخلاقي، وتفكّك أسري، وفراغ روحي، وخواء عقدي، وارتفاع مستوى الجريمة، وانتشار المخدّرات، والإسراف في تعاطي الكحول والمُسْكرات)… إلخ. ولم يفكّر العربي بحقيقة هذه الأوصاف، لأنّ النّتائج ستوجعه من جهتين:
أولاهما: أنّ الغرب مساحة جغرافيّة هائلة من الحماقة، لذا من البلادة حشره “كنملة” داخل عبارة أو جملة لغويّة، لأنّه بوصفه غربًا، وعلى اعتباره جهة -كغيره من الجهات- فيه السيّئات والحسنات، وفيه الفُجّار والأبرار، والصّالح والطّالح.
وثاني الجهتين الموجعتين تتبدّى؛ حين يسأل العربي نفسه عن مدى تفشّي هذه الأوصاف -التي وصف بها الغرب- في “مجتمعه”، إنّه سيكون حينها أسير الخطرين، اللّذين حدّدهما شاعرنا اليمني الكبير “عبدالله البردوني” حين قال:
خَطِيْرٌ جَهْلُ مَا يَجْرِي
وأخْطَرُ مِنْهُ أنْ تَدْرِي
في النّهاية أقول: ما دخل الأنظمة والاستعمار والقوى الغربيّة؛ في انتشار ثقافة “التّنابذ والاحتقار”، التي يمارسها العربي وهو بكامل قواه العقلية، هذا إن كان له عقل؟.