نوف محمد
أميرة إسماعيل، ممرضة من جازان، عندما التهمت النيران مستشفى جازان العام فجر يوم الخميس الماضي، رفضت الهرب والنجاة بنفسها تاركة أطفال الحضانة الخدج ورائها، بل قالت بكل شجاعة الفرسان: “نحيا معا أو نموت معا”، وقررت بلا تردد إنقاذ أطفال الحضانة السبعة الذين داهمت النيران غرفتهم، وبكل بسالة وإصرار وبين ألسنة اللهب والدخان الكثيف والظلام الدامس وضعت 4 أطفال في “شرشف” وجعلته على شكل “مهاد” وطلبت من الحضور إخراجهم بسرعة خارج المستشفى، ثم حملت أحد الأطفال وسلمته لزميلتها وأخذت الثاني وسلمته لأحد الموظفين، فيما حملت الثالث وخرجت به من الحضانة، ثم ذهبت للعناية المركزة وتفاجأت بأن الباب مغلق عليهم وليس لديهم علم بالحريق، فطرقت الباب عليهم فخرجوا، وأخرجوا الطفل الذي في العناية معهم، وتم إخراج جميع الأطفال وكلهم بصحة جيدة ولله الحمد، ببطولة نادرة يعجز عنها كثير من الرجال، وعبرت بهم الجحيم المستعر في المستشفى، في الحادثة التي هزّت العالم، وتعتبر ثالث أكبر كارثة صحيّة عالميا.
“كيف أخلي عيالي، قولي كيف أخلي عيالي”.. بهكذا أمومة وفروسية ردت مريم على سؤال أحد الصحفيين: “لماذا لم تنج بنفسك؟”.
وأنا أستمع إلى قصة بطولتك يا مريم، تذكرت قصيدة الشاعر إبراهيم طوقان التي كتبها في المستشفى في الممرضات، والتي يقول فيكن:
بيضُ الحمائم حسبهنَّه… أني أُردِّدُ سجعهنّهْ
رمزُ السلامة والوداعة… منذ بدءِ الخلق هُنَّه
في كلِّ روض فوق دا… نيةِ القطوف لهنَّ أَّنهْ
ويملْنَ والأَغصانَ ما… خَطَرَ النسيمُ بروضهنَّه
فإذا صلاهنَّ الهجير… هببْنَ نحو غديرهنَّه
يهبطن بعد الحومْ مثل… الوحي لا تدري بهنًّه
إلى قوله:
المحسناتُ إلى المريض… غدونَ أشباهاً لهنّهْ
الروّض كالمستشفياتِ… دواؤها إيناسهنّه
ما الكهرباء وطبّها … بأجلَّ من نظراتهنّه
يشفي العليلَ عناؤهن … وعطفهنّ ولطفهنّه
مُرُّ الدواء يفيك حلوٌ… من عذوبة نطقهنّهْ
مهلاً فعندي فارقٌ … بين الحمام وبينهنّه
فلربما انقطع الحمائم… في الدُّجى عن شدوهنّه
أمَّا جميلُ المحسنات… ففي النهار وفي الدجنّه.
قرأت كثيرين على مواقع التواصل يمتدحون مريم ويصفونها بـ “أخت رجال”، وأقول لهم: “إذا أردتم أن تمتدحوا الرجال، قولوا لهم (أخوان مريم) فذلك أصح وأبلغ”.
لقد دوّن أبطال الحد الجنوبي اسمك يا “أميرة إسماعيل” على سبعة مقذوفات لردع المتسللين، وذلك بعدد الأطفال الذين أنقذتهم تكريماً لبطولتك ورموا بها أعداء الوطن، تيمنا بكفاحك ضد المهملين المقصرين أعداء الوطن.
أميرة اسماعيل.. تستحق أن تكرم بوسام الملك عبدالعزيز لشجاعتها، وأن يسمى مستشفى باسمها، وأن يسمى الشارع الذي عليه مستشفى الكارثة باسمها، وأن تسمى مدرسة باسمها، وأن تكون نموذجا يقتدى لبنات الوطن، وأن تدون بطولتها في كتب التاريخ ومناهج الدراسة، وأن لا تبارح ذاكرتنا للأبد، فكرموا هذه الأميرة الجازانية، فهي أولى الناس بالتكريم.